لم تشأ الفلسطينية فاطمة الجدع (أم أحمد) أن تعيش حياة الترف تحت عباءة الأب الغني والمقتدر، فوالدها التاجر والمزارع عبد الرحيم الجدع ذاع صيت تجارته في ثلاثينيات القرن الماضي ليس في مدينة قلقيلية مسقط رأسه فحسب، بل في داخل فلسطين المحتلة في مدن يافا وحيفا وغيرهما.
فلم تُغير معادلة الثراء من طموح فاطمة أو تُبدد حلمها، بل دفعتها لأن تلامس قسوة الحياة لتصير إلى ما تريد، وتصبح سيدة أعمال تقل نظيراتها من الفلسطينيات وحتى العربيات.
وانطلقت وهي ابنة سبعة عشر ربيعا نحو حلمها، فانخرطت بعملها في قطاع النسيج لتحيك الملابس لمن يقصدها من أهالي قريتها حبلة قضاء مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية. ومن ماكينة خياطة واحدة بدأت خيوط النجاح تنبلج لفاطمة (53 عاما)، وكانت هذه الماكينة هدية من والدها عام 1987 لتفوقها في تعلم المهنة بجمعية المرابطات في قلقيلية، حسب قولها.
وكان على فاطمة في ذلك الحين أن تتغلب على حواجز قهر ثلاثة ممثلة في سوء الحال الاقتصادي، وظروف المجتمع الرافضة لعمل المرأة، وإعاقتها التي نجمت عن "خُلع" ولادة (أثناء ولادتها).
عندما زارت الجزيرة نت فاطمة وجدناها في حفل أقيم بمدرسة القرية، إذ بوصفها سيدة أعمال فهي تدعى إلى معظم الندوات والأنشطة ذات العلاقة بعملها وغيره، فاصطحبتنا إلى أحد مصانعها.
نشاط متزايد
وقد حاورتنا فاطمة وهي تتفقد العاملين وتجيب على استفساراتهم، كما لم يمنع الحديث ضجيج الماكينات التي تنساب خيوطها لتحيك قميصا أو ثوبا، فالمهم بالنسبة لفاطمة ألا تتوقف هذه الآلات لحظة فالتزامها بتسليم العمل في وقته يعني استمرار النجاح.
وتردف قائلة "بدأت عملي بماكينة واحد، والآن لدي 700 ماكينة وأكثر من 250 عاملا جُلهم من النساء، وهم يتلقون رواتب جيدة يصل بعضها إلى 900 دولار". ولم تكمل سيدة الأعمال دراستها الثانوية، إذ بدا لها النجاح آنذاك كما هو الآن بالمثابرة والاستمرار والإتقان في العمل، وتقول "وهذا ما فتح لي أسواقا أوروبية وأميركية، وتعاملت مع شركات أجنبية مثل ديزني".
وتضيف "ساعدني الزواج برجل من فلسطين المحتلة عام 1948 على التوسع في عملي والتوجه نحو مؤسسات ملابس عالمية".
ولم تنتزع فاطمة النجاح فحسب بحصولها على جائزة البنك الإسلامي للتنمية للأفراد عام 2006 كرائدة في الاقتصاد الفلسطيني، بل انتشلت نساء من قريتها وأخريات كن يغرقن في وحل العمل داخل "مستوطنات الاحتلال" وسط انتهاكات وظروف عمل قاسية، فوظفتهن لديها.
تجاوز أزمة
كما تخطت بعزيمتها أزمة مالية كادت تشلّ عملها عام 2000 وتسببت في خسارتها نحو 1.5 مليون دولار، فهي تدير الآن عدة مصانع بثلاث محافظات في الضفة برأس مال يقترب من خمسة ملايين دولار، وتملك أراضي زراعية وتشغل مئات الأسر.
ويُعيق عملها -كأي مستثمر فلسطيني- الضرائب المرتفعة ومزاحمة المنتج الصيني وتذبذب العمل، إضافة إلى المعيقات الإسرائيلية أثناء تنقل البضاعة على المعابر، وفق توضيح فاطمة.
وإن كان البعض يتحدث أن فاطمة الجدع أكملت مشوار نجاحها أو تكاد، فهي ترى عكس هذا القول، ويزيد طموحها الآن بسعيها إلى شراء مصنع لإعادة تدوير القماش، كما تعكف على التقدم لامتحان الثانوية العامة، وهو الحلم الذي لم تحققه في صغرها كما تقول.
ليست هناك تعليقات